اِعرف أكثر

تحتوي هذه الزاوية على إجابات عن بعض الأسئلة التي قد تراودنا عند مشاهدة فيديوهات الحملة وَ/أو طرحناها أو طُرِحت علينا أثناء اشتراكنا في النقاشات المختلفة حول حملة "#ما_اختلفناش" على وسائل التواصل الاجتماعيّ وخارج العالم الافتراضيّ. تعتمد الموادّ المطروحة في هذه الزاوية على معلومات مهنيّة وعلميّة حديثة، وعلى تجربة القوس في الميدان.

هل هنالك مثليّون/ات ومتحوّلون/ات في فلسطين؟

الانجذاب المثليّ والممارسات الجنسيّة والجندريّة المتنوّعة كانت -وما زالت- بعضًا من المجتمع الفلسطينيّ، كما هو الشأن في غيره من المجتمعات البشريّة؛ إذ يمكن تتبُّع التاريخ القديم والمعاصر للعثور على توثيق لتجارب أشخاص يعيشون توجُّهات مثليّة أو تجارب وتعبيرات جندريّة مختلفة في جميع الحضارات في منطقتنا. ونرى ذلك أيضًا في الأدب والقصائد والروايات والمسرحيّات العربيّة.  

اختلفت أشكال ظهور هذه الممارسات والتعابير من عصر لعصر، ومن مجتمع لمجتمع، ورغم أنّ أغلبها اقتصر في الماضي على طبقات معيّنة (الشعراء والكتّاب في العصر العباسيّ -على سبيل المثال)، أو حُصِر في ممارسات جنسيّة عابرة أو غير معلنة، فإنّه في القرن الأخير مرّت المجتمعات في تغيُّرات وتحوُّلات عديدة حول قضايا الجنسانيّة بصورة عامّة، والمثليّة والتحوّل الجنسيّ على وجه الخصوص (وفي قضايا اجتماعيّة عديدة). في مطلع القرن الحاليّ، بدأ المثليّون والمتحوّلون الفلسطينيّون بتشكيل مجموعات ناشطة مثل القوس (بالإضافة إلى "أصوات" في فلسطين ومجموعات مختلفة في لبنان ومصر وتونس والمغرب) تعمل على فهم أشكال القمع المختلفة -القمع الجنسيّ والجندريّ والطبقيّ والاستعماريّ وغيرها- وعلاقتها بتجاربهم، فضلًا عن العمل على تغيير مواقف وسلوكيّات المجتمع الفلسطينيّ تجاه القضايا الجنسانيّة بعامّة، والمثليّة والتحوّل الجنسيّ بخاصّة. تعمل القوس منذ خمس عشرة سنة مع مئات من المثليّين والمتحوّلين وأشخاص يعيشون توجُّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة على نحوٍ سنويّ.

في ظلّ هذه التحوّلات وغيرها من التغيّرات الكثيرة التي مرّ بها مجتمعنا في السنوات الأخيرة، ازداد كذلك عدد المثليّين والمتحوّلين الفلسطينيّين الذين أخذوا في التعبير عن تجاربهم وعن أنفسهم في الحيّز العامّ كذلك. وبالتالي صرنا نرى المثليّين والمتحوّلين "ظاهرة" جديدة لم تكن "موجودة" في الماضي، والحقيقة التغيير الوحيد الذي حصل هو أنّ المجتمع أخذ يرى أشخاصًا يعيشون توجُّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة بصورة أوسع وأوضح، وهذا لا يعني أنّه لم يكن هناك مثليّون ومتحوّلون من قبل.

المزيد

أين تعمل القوس؟

تعمل القوس منذ عام 2001 في شتّى أنحاء فلسطين في مجالات العمل المختلفة (خدمات فردّية؛ أُطر مثليّة محلّيّة وقطْريّة؛ مشاريع العمل المجتمعيّ المختلفة)، من خلال بناء وتعزيز قيادات محلّيّة في أربعة مراكز أساسيّة: الشمال /حيفا؛ المركز /يافا؛ الضفّة /رام الله؛ القدس - وذلك بالرغم من سياسات الاحتلال والحواجز التي تقسّم المجتمع الفلسطينيّ إلى جماعات تعيش تحت وطأة أنواع مختلفة من السيطرة الإسرائيليّة، والتي أفرزتْ بدورها سياقاتٍ اجتماعيّةً وسياسيّةً مختلفة.

ينعكس عمل القوس الشموليّ في فلسطين على مبنى القوس التنظيميّ، وعلى الطاقم المهنيّ والإدارة والقيادات وتقسيم الموارد البشريّة والماليّة، وكذلك على التزامنا بتوفير مساحات آمنة في المراكز الأربعة الواردة آنفًا. المركز الرئيسيّ والأوّل لعمل القوس كان في مدينتَيِ القدس ورام الله، وتلا ذاك نشاطٌ أكثر تكثيفًا في مناطق حيفا ويافا في الداخل المحتلّ. منذ عام 2015، بدأت القوس في مَأْسَسة عملها على نحوٍ أكثر تكثيفًا في مناطق الضفّة الغربيّة، ولا سيّما في مدينة رام الله، وذلك من خلال تكريس موارد أكبر للمنطقة بغية الوصول إلى عدد أكبر من الناشطين/ات، وبناء أُطُر جماهيريّة مستديمة للعمل مع أشخاص يعيشون توجُّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة، وتطوير مشاريع للعمل مع فئات مختلفة من المجتمع. تقوم القوس بالتواصل أيضًا مع أفراد من مناطق نابلس وجنين وطولكرم والخليل وأريحا ومناطق الناصرة في الداخل المحتلّ، وذلك ابتغاءَ التعارف والتواصل والإصغاء، وبناء مجموعات قياديّة في تلك المناطق مستقبَلًا.

تقوم القوس بالعمل على المجالات الآتية في شتّى مناطق عملها: المستوى الفرديّ الذي يتمحور حول الاستشارات والخدمات الفرديّة من خلال مساحات مخصَّصة للإصغاء والتواصل والاستشارة المهنيّة؛ المستوى المجموعاتيّ الذي خلاله تُبنى مجموعات مثليّة قياديّة تشارك في فعّاليّات لتطوير قدراتها وتوفير حيّز آمِن لآخرين، وتفعيل نشاطات ثقافيّة واجتماعيّة وترفيهيّة ومجموعات دعم شبابيّة. وكذلك تعمل القوس على المستوى المجتمعيّ في شتّى أنحاء فلسطين في سبيل التواصل والتأثير على مجموعات مهنيّة وشبابيّة من مؤسّسات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ لدمجهم في نقاش حول قضايا التعدُّديّة الجنسيّة والجندريّة، وللتعامل مع الأفكار النمطيّة والخرافات المتداولة في الدوائر المهنيّة وغيرها من دوائر المجتمع المختلفة.

المزيد

هل المثليّة الجنسيّة وضع طبيعيّ أم اختيار شخصيّ؟

"الميول الجنسيّة" مصطلح يصف انجذاب الفرد من الناحية الجنسيّة وَ/أو العاطفيّة، وتشمل: الميول المثليّة (الـمَـيْل إلى أبناء الجنس نفسه)، والميول المغايرة (الـمَيْل إلى جنس آخر)، والميل إلى أكثر من جنس، وعدم الميل إلى أيّ من الجنسين. لا يمكن اعتبار أيّ من هذه الميول توجُّهًا اختياريًّا، بل تشير أغلب الأبحاث الحديثة إلى أنّ الميول الجنسيّة (ومن بينها المثليّة) ناتجة عن عوامل جينيّة. قد يحدّد المجتمع أنّ الميول "المقبولة" أو "المعياريّة" هي الميول المغايِرة فقط، لكن هذا لا يعني أنّ الميول الأخرى غير المعياريّة هي ميول غير "طبيعيّة"، إذ هي كانت -وما زالت- بعضًا من الطبيعة البشريّة.

قد يتجسّد رفض المجتمع للميول المثليّة في الادّعاء أنّها ميول قام الشخص باختيارها، على العكس من الميول المغايرة التي يعتبرها المجتمع من الفطرة، وبِذا يضع "عبء" الاختلاف الجنسيّ على الفرد، ويحمّله مسؤوليّة اختلافه، وبهذا يُشَرْعِن ممارسة العنفَ ضدّه (بظنٍّ أو اعتقادٍ مُفادُه أنّ الاختيار في يد المثليّ؛ فإذًا إنهاء العنف في يد المثليّ). لكن لا تستطيع أيّ من هذه الخرافات والأفكار المغلوطة تغيير الواقع: أنّ الميول المثليّة بعض من الطبيعة البشريّة؛ إذ يمكن أن يختار الشخص أن يكون "على طبيعته" أو أن يُضطرّ إلى إخفاء ميوله لأسباب عديدة (قد تكون شخصيّة، ولكنّها في الغالب أسباب اجتماعيّة)، غير أنّه لا يمكن أن يغيّر ميوله أو أن يختار ميولًا أخرى (على سبيل المثال، بإمكانه كبت السلوك الجنسيّ المثليّ، ولكنّه لا يستطيع تغيير الشعور الداخليّ بالانجذاب الجنسيّ والعاطفيّ لأبناء الجنس نفسه).

المزيد

هل يمكن تغيير الميول المثليّة بواسطة قوّة الإرادة أو العلاج النفسيّ؟

يقوم هذا السؤال على افتراض أنّ الميول المثليّة هي رغباتٌ جنسيّة في الإمكان السيطرة عليها، أو اضطرابٌ نفسيّ أو عقليّ في الإمكان معالجته، وأنّه على الشخص تغيير ميوله المثليّة ولديه القدرة على ذلك؛ أي أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق المثليّ/ة. كان ثمّة انشغال (وما زال) لدى مؤسّسات الطبّ النفسيّ والمؤسّسات الدينيّة ومؤسّسة الدولة والعائلة في تحديد الميول المثليّة على أنّها رغبات يمكن تغييرها بواسطة قوّة الإرادة الشخصيّة، من خلال "العلاج الإصلاحيّ" أو الرجوع إلى الدين، ومن خلال برامج مختلفة أثبتت جميعها فشلها في آخِر عَقدين؛ حيث يمكن تلخيص إنجازات هذه الأساليب في مساعدة المثليّين/ات وأشخاص يعيشون توجّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة على كبت سلوكهم الجنسيّ فقط، وبذلك يتضاعف العنف والقمع ضدّهم.

لكن في العقود الأخيرة، رفضت أهمّ مؤسّسات الصحّة النفسيّة في العالم وبعض الدول العربيّة تصنيفَ الميول المثليّة مرضًا أو اضطرابًا نفسيّ. كذلك تصدّت المؤسّسات العالميّة لِما يسمّى "العلاج الإصلاحيّ" الذي يسعى إلى تغيير الميول المثليّة، لأنّه يشكّل تهديدًا خطيرًا على الصحّة النفسيّة ولم يَجْنِ أيّة نتائج. وإن قام بعض المثليّين بالتوقّف عن الممارسة المثليّة من خلال الكبت والإنكار بسبب الضغوط الاجتماعيّة، فإنّ "العلاج" لم يُفلح في تغيير الانجذاب والميول، وذلك وَفقًا لإحصائيّات أكبر مؤسّسة عالميّة كانت تقوم بهذا "العلاج"، وهي مؤسّسة أغلقت أبوابها في العام 2013 بعد اعترافها بأنّ علاجها مضرّ وغير ناجح. من الجدير بالذكر أنّ التحوُّل الجنسيّ ما زال يُعتبر نوعًا من الاضطراب النفسيّ في بعض مؤسّسات الطبّ النفسيّ، بالرغم من الأصوات التي تنادي في السنوات الأخيرة بتغيير هذا الافتراض أيضًا (في الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة رقم 5 – DSM5، يصنَّف التحوّل الجنسيّ على أنّه اغتراب في الهُويّة؛ وهو تنصيف أخفّ من "اضطراب" -ممّا يدلّ على توجُّه المؤسّسات الطبّيّة لتحدّي هذه الفرضيّات).

المزيد

هل المثليّة الجنسيّة مرض نفسيّ / جسديّ؟

من الجدير بالذكر أنّ الطبّ وعلم النفس غير منعزلَيْن عن المجتمع، وبذلك يتأثّران بالأفكار والثقافة السائدة، الإيجابيّة منها وتلك السلبيّة أيضًا. في الماضي، جرى التعامل مع المثليّة الجنسيّة باعتبارها مرضًا أو سلوكًا غير صحّيّ؛ إلّا أنّ أهمّ جمعيّات الطبّ النفسيّ حول العالم حذفتها من قائمة الأمراض بعد سنوات مطوَّلة من الأبحاث. يجدر بالذكر أنّ المثليّة الجنسيّة حُذفت من الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة DSM في عام 1973، أي قبل أكثر من أربعين عامًا؛ وبالرغم من ذلك نرى مهنيّين واختصاصيّين ما زالوا يتداولون هذه الخرافة (اعتبار المثليّة مرضًا نفسيًّا) على أنّها من قَبيل الحقائق العلميّة.

في السنوات الأخيرة، نرى توجُّهًا إيجابيًّا لدى البعض من الاختصاصيّين العرب الذين يرفضون التعامل مع المثليّة باعتبارها مرضًا نفسيًّا أو جسديًّا؛ فقد انتقل علم النفس من محاولة "تغيير الميول الجنسيّة" إلى مساندة الشخص المثليّ في التعامل مع الأزمات النفسيّة الناتجة عن رفض المجتمع للاختلاف، كأيّ امرِئٍ يواجه ضغطًًا من المجتمع. ومن تجربة القوس في الحقل، وجدنا أنّ أكثر من 95% من الأشخاص الذين يتوجّهون إلينا يمرّون في أزمات نفسيّة تتمثّل بالعنف وإقصاء العائلة والمجتمع لهم، وليست نابعة من ميولهم الجنسيّة والعاطفيّة بحدّ ذاتها.

المزيد