اِعرف أكثر

تحتوي هذه الزاوية على إجابات عن بعض الأسئلة التي قد تراودنا عند مشاهدة فيديوهات الحملة وَ/أو طرحناها أو طُرِحت علينا أثناء اشتراكنا في النقاشات المختلفة حول حملة "#ما_اختلفناش" على وسائل التواصل الاجتماعيّ وخارج العالم الافتراضيّ. تعتمد الموادّ المطروحة في هذه الزاوية على معلومات مهنيّة وعلميّة حديثة، وعلى تجربة القوس في الميدان.

إذًا، ما هي أسباب المثليّة؟

يدّعي البعض أنّ الميول المثليّة تتشكّل بسبب حنان الأمّ الزائد أو غياب الأب أو العكس، وأنّ الشخص المثليّ ضحيّة لطريقة تربيته وَ "فشل" أهله. لكن ليس ثمّة أيّة أدلّة تشير إلى هذا، فالمثليّون والمثليّات ينشأون في بيوت تستخدم طرقًا متفاوتة في التربية من ناحية الدلال والصرامة. كذلك يدّعي الآخرون أنّ التعرُّض للاعتداء الجنسيّ في الطفولة قد يؤدّي إلى ميول مثليّة في الكبر، إلّا أنّ العديد من المثليّين والمثليّات لم يتعرّضوا في مراحل طفولتهم إلى اعتداء من هذا القَبيل.

كان هذا التوجّه الذي يفترض وجود أسباب بيئيّة للمثليّة الجنسيّة شائعًا في علم النفس في ستّينيّات القرن العشرين، ولكن لم تجد الدراسات علاقة بين الميول الجنسيّة وأدوار الوالدين أو الاعتداء الجنسيّ في الصغر، ودُحِض هذا الافتراض علميًّا؛ وذلك أنّنا نجد الميول المثليّة في البيئة ذاتها التي تقوم فيها الميول المغايرة (غير المثليّة)، إذ قد تقوم عائلةٌ ما بتربية طفلَيْها بالأساليب نفسها، ومع ذلك نجد الميول المثليّة لدى أحدهما، والميول المغايرة لدى الآخر. وتُجْمِع الدراسات على أنّ الميول الجنسيّة بصورة عامّة قد تتأثّر بخليط من العوامل الجينيّة، وليس ثمّة معادلة سحريّة تُنتِج الميول المغايرة أو الميول المثليّة.

لطالما انشغلت المجتمعات -ومنها المجتمع الفلسطينيّ- في البحث عن أسباب للمثليّة والتحوّل الجنسيّ، كما الطبّ النفسيّ والعلم بواسطة أبحاث مختلفة على مرّ العقود الأخيرة. ونتفهّم الرغبة في الحصول على إجابات لقضايا اجتماعيّة اشتركت جميع مؤسّسات الدولة والمجتمع في تعزيز العنف ضدّها وابتداع خرافات كثيرة حولها، وهي الطريقة التي من الأسهل على المجتمع تداوُلها من أن يبحث عن حقائق وأجوبة موضوعيّة وعلميّة. سنكمل مشوارنا في تدريبات القوس المهنيّة -كما في مشاريع أخرى- لتزويد مجموعات مختلفة بمعلومات ونظريّات حديثة وفتح نقاش حولها، ولكن في المقابل نطلب من الاختصاصيّين والمهنيّين والمربّين والعائلات التفكيرَ في عواقب هذه الأسئلة واستعمالاتها، ولا سيّما أنّها قد تكون ثغرة لشَرْعَنة العنف والإقصاء ضدّ أشخاص يعيشون توجُّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة.

المزيد

هل التحوُّل الجنسيّ هو اضطراب في الهُويّة الجنسيّة؟

في المعتاد، يشعر المتحوّل أو المتحوّلة باغتراب بين النوعِ الاجتماعيّ أو الجندر المفروض علينا من المجتمع، وهُويّتِهِ/ا الجندريّةِ الباطنيّة. بَيْدَ أنّ بعضًا من المتحوّلين/ات لديهم شعور إضافيّ بعدم التلاؤم بين جنسِهم البيولوجيّ كذكر أو أنثى أو ثنائيّ الجنس (إنترسكس)، وشعورِهم الباطنيّ بهُويّتهم الجندريّة كرجل أو امرأة أو غيرهما. تسمّي بعض مؤسّسات علم النفس هذا الشعور "اضطراب الهُويّة الجندريّة" وتتّجه هذه المؤسّسات حاليًّا إلى تسمية هذا الشعور "اغترابًا في الهُويّة الجندريّة"؛ حيث تعتبر هذه المؤسّساتُ هذا الشعورَ (الاضطرابَ أو الاغترابَ أو عدمَ التلاؤم) مصدرَ الصعوبات والأزمات المتعلّقة بالصحّة النفسيّة لدى المتحوّل/ة.

لكنّنا نعرف، من تجاربنا في الميدان، أنّ معظم الأزمات النفسيّة التي قد يمرّ فيها المتحوّلون والمتحوّلات هي نتيجة لرفض العائلة والمجتمع لأيّ شخص يخرج عن دَوْره الاجتماعيّ. فالردّ المجتمعيّ السائد هو الإنكار أو الإقصاء والتعنيف للشخص المتحوّل؛ وذلك أنّ التحوّل الجنسيّ يقلب التعريفات والمفاهيم التي نشأنا عليها رأسًا على عقب، وذاك ما يشير إلى أنّ المشكلة الأساسيّة كائنة في البيئة الرافضة. ودَوْر الطبّ وعلم النفس هو كدَوْر العائلة: مسانَدة المتحوّلين والمتحوّلات في التعامل مع الضغوط النفسيّة التي ترافق سيرورة التحوّل الجنسيّ والتعامل مع هُويّتهم الجندريّة بالاضافة إلى الردّ المجتمعيّ السلبيّ، ومرافقتهم في اختيار أيّ مسار قد يساعدهم في التقليل من الشعور بالاغتراب في هُويّتهم الجندريّة -سواء أكان ذلك من خلال تلاؤم الجسد مع شعورهم الباطنيّ كرجل أو امرأة أو غير ذلك، أَم من خلال إستكشاف طرق مختلفة للتعبير الجنسيّ والجندريّ.

المزيد

كيف تتعامل الديانات مع المثلية والتحول الجنسي؟

أو بكلمات اخرى "هل المثلية والتحول حرام؟" تختلف نظرة الأديان لقضايا تتعلق بالجنس والجنسانية بشكل عام، وذلك باختلاف الديانات ذاتها، ممّا يجعلنا أمام عدّة وجهات نظر وليست وجهة نظر واحدة تسري على الجميع، كما تجدر الإشارة إلى أنّ النصوص الدينية التي تطرّقت إلى الجنس والجنسانيّة كانت عبارة عن قصص في التّاريخ وليست أحكامًا دينيّة. إلا أن كل فرد يتعامل مع إيمانه ومعتقداته الدينية بطريقة مختلفة.

للإيمان دور في مساعدة حامله على التعامل مع مصاعب الحياة، وبالتالي تسعى التفسيرات الشخصية للنصوص الدينية لتخدم هذا الهدف، ولتعين الفرد على فهم تجاربه المختلفة بعيداً عن الخزي والإنكار. حيث تتسع النصوص لعدة تفسيرات تتفاوت في مواقفها تجاه الجنس والجنسانية (والمثلية والتحول بالتحديد) بين الرفض القاطع والتعامل الطبيعي مع المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات. ونذكّر بأن معظم الديانات تشير إلى أن الحكم والحساب ليس بأيدي البشر وأنه ليس على الإنسان القيام بمحاسبة الآخر. فلا يوجد مبرر لاستخدام الدين كأداة للعنف، بل للدين هدف أسمى يتمثل بمساعدة كل شخص على فهم وتفسير تجاربه وبالدعوة للتسامح ما بين البشر.

ولو تطرّقنا إلى الأدلّة الّتي تشير إلى المثليّة من الأديان، يمكننا إيجازها على النّحو الآتي:

لم يُذكّر مصطلح "اللواط" أو "لوطي – لوطويّون" في القرآن، بل وردت الآيات بخطاب إلى "قوم لوط" تاريخيًّا، ومع ذلك نجد أنّ غالبيّة النّاس يستخدمون تلك المصطلحات لمحاربة المثليّين، أما قوم لوط فهم أشخاص (رجال ونساء!!) كانوا يقطعون الطّرق ويغتصبون الرّجال وكانت زوجة لوط واحدة منهم، إذن نستنتج بأنّ الفعل المقصود هو إلحاق الأذى والضّرر، فمن أين جاء المصطلح الخاطئ "لواط – لوطيّة..."؟ ولماذا يُنسَب للمثليّين من الرّجال رغم أن القرآن يشمل النّساء أيضًا بفعل الأذى؟

أما بالنّسبة للمسيحيّة، نجد أن الكتاب المقدّس تحدّث عن الزواج بين الذّكر والأنثى، وفي رفضه للمثليّة كان رفضًا للعلاقة الجنسيّة المسمّاة بالخطيئة بين الرّجل والمرأة وكذلك بين الذّكر والذّكر. أيّ أن الميول المثلي ليس محرّمًا أو مرفوضًا بل الفعل هو المرفوض بين المغايرين والمثليّين على حدّ سواء، وهو ما يؤكّده باب الفاتيكان كموقف للكنيسة من النّصوص التّاريخيّة معبّرًا بما يلي: "لا أدين الشّخص المثليّ المؤمن بالله وبإرادته ولم يرتكب فعلًا يُخرجه من الملكوت".

ملاحظة: وفقًا لما هو سائد ومعروف دينيًّا، فإنّ النصوص الدينية لم تفسَّر من قبل الأنبياء أو الله، بل إنّ كل التفسيرات جاءت متأخرة من قِبَل رجال علم اختلفوا بينهم ممّا يترك للعقل مساحة هامّة لفهم وتحديد فكره حول النصّ الديني المفتوح للاختلاف.

المزيد

لماذا قد يختار المثليّون أو المتحوّلون مشاركة أو إخفاء ميولهم وتجاربهم؟

عندما يشعر أيّ شخص برفض من المجتمع لطبيعته أو سلوكيّاته، قد يختار أن يحاول إخفاءها. وينطبق ذلك على الميول الجنسيّة أو التحوّل الجنسيّ، فالرفض المجتمعيّ هو العامل الأساسيّ في إخفاء جزء من المثليّين والمثليّات لميولهم أو المتحوّلين والمتحوّلات في إخفاء شعورهم وتجاربهم. لكن الميول الجنسيّة والعاطفيّة –كما هو الشأن في التحوّل الجنسيّ- تشمل جوانب متعدّدة من الحياة، لا الممارسة الجنسيّة فحسب أو التعابير الجسديّة.

عندما يتوقّع ويفترض المجتمع أنّ جميع أفراده مغايرون (غير مثليّين)، أو أنّ الجميع يشعرون بتلاؤم بين جنسهم البيولوجيّ والنوع الاجتماعيّ المفروض عليهم (وعلينا كمجتمع) وهُويّتهم الجندريّة، فإنّه يضع الشخص المثليّ أو المتحوّل في معضلة عندما يُطرح موضوع العلاقات والجنس والمشاعر والأصدقاء والزواج؛ فإمّا أن يختار الإخفاء أو الإنكار إن شعر بالرفض ممّن حوله، وإمّا أن يُفصح عن ميوله أو هُويّته الجندريّة حتّى يستطيع المشاركة في الحديث دون مراوغة. ويعتمد قرار الإخفاء أو الإفصاح على الظروف الاجتماعيّة والعائلية لكلّ فرد. لذا، الإفصاح عن الميول الجنسيّة أو الهُويّة الجندريّة ليس مقياسًا لنجاح الفرد أو مطلبًا لعملنا المجتمعيّ. لكن لا شكّ أنّ القدرة على مشاركة العائلة والأصدقاء في طبيعة ميولنا المثليّة وهُويّتنا الجندريّة قد تؤدّي إلى الراحة النفسيّة وعدم الاضطرار إلى التخفّي.

المزيد

ما هو العنف تجاه المثليّين والمثليّات والمتحوّلين والمتحوّلات؟ وما هو تأثيره؟

يحاول المجتمع أن يحصرنا في خانات وتعريفات ضيّقة تحدّد الممارسات "المقبولة"، تبدأ من تحديد الجنس البيولوجيّ في خانات "ذكر" وَ "أنثى" فقط، ومَن يُعتبر "رجلًا" ومَن تُعتبر "امرأة"، فضلًا عن الفرضيّة أنّ الميول الجنسيّة تنحصر في "مُغايِر" أو "مُغايِرة"، وتضع كلّ شخص يخرج عن هذه المعايير في خانة "الآخَر" وَ "المختلف". يؤدّي هذا النظام الاجتماعيّ إلى فرضِ رقابة اجتماعيّة بأشكال شتّى من العنف المباشر وغير المباشر تجاه كلِّ مَن هو مختلف، وإعطاءِ شرعيّة لمن يمارس هذا العنف. ولعلّ العنف تجاه المثليّين والمثليّات والمتحوّلين والمتحوّلات هو من أكثر أنواع العنف الممنوحة شرعيّةً في مجتمعنا؛ ونرى ذلك في الخرافات المتداولة عن المثليّة والتحوّل الجنسيّ (نحو أنّه اضطراب نفسيّ أو اختيار شخصيّ)، أو في السماح لجهات مختلفة بتوجيه العنف اللفظيّ والجسديّ للمثليّين والمتحوّلين دون مساءَلة، أو حتّى في إنكار وجود المثليّين والمتحوّلين في المجتمع الفلسطينيّ. ويخلق هذا العنف ثقافة تجعل المثليّين والمتحوّلين يشعرون بأنّهم ليسوا جزءًا من مجتمعهم الفلسطينيّ، وبعدم استطاعتهم العيش بأمان وباحترام وبناء مستقبلهم في أكناف شعبهم، وذاك ما قد يدفعهم إلى الانسلاخ عن مجتمعهم وانصهارهم في مجتمعات أخرى، إلى حدّ التنازل أحيانًا عن انتمائهم الفلسطينيّ رغبةً في العيش في مجتمعات تدّعي أنّها أكثر تقبُّلًا لتوجُّهاتهم الجنسيّة والجندريّة، وتستغلّ انصهارهم فيها لتبرير سيطرتها وقمعها للمجتمع الفلسطينيّ. نؤكّد هنا أنّ بناء مجتمع يعمل كحاضنة للتجارب المختلفة هو الأساس في بناء مجتمع فلسطينيّ صحّيّ ومُحتوٍ ومتكافل.

المزيد