مقالات // كل المقالات // فقدان سارة حجازي: الألم والعمل والتضامن والمواجهة

فقدان سارة حجازي: الألم والعمل والتضامن والمواجهة

عن الألم
أحداث متتالية ومتراكمة في الفترة الأخيرة آخرها فقدان الناشطة الكويريّة سارة حجازي والتي أخرجت إلى السطح الكثير من المشاعر والأفكار الصعبة والكثيفة، خاصّة ما يتعلّق منها بالموت والفقدان والعنف الذي يدور حولهما، فيؤلمنا الفقدان ويزيد من ألمنا ما بعده من تعامل عنيف وقاسٍ.
قد تظهر هذه المشاعر أكثر مع الأحداث الكبيرة، إلّا أنه لا بدّ أن نبقي في بالنا أنّها تتجلّى يوميًا كخوف، وحدة، غضب، حزن، إحباط، وغيرها، ومستمرّة في حياتنا كأشخاص نعيش توجّهات جنسية وجندرية مختلفة. تضع الأحداث الأليمة وما يتلوها من نقاشات مشاعرنا ومصاعبنا وقسوة العالم أمام أعيننا، فنبكي الحدث ونبكي أنفسنا وتتأجّج ألامنا الموجودة معنا أصلًا، وإن كنّا قد قطعنا شوطًا على الصعيد الشخصي والمجتمعي في التعامل مع تجاربنا الجنسية والجندرية.
في هذه الأوقات، من المهمّ أن نبحث عن مساحات ملائمة تساعدنا على التعامل مع هذه المشاعر، سواء أكانت أطر مهنيّة أو أصدقاء أو مجموعات داعمة؛ وتحويلها إلى قوّة وطاقة للتعامل مع الألم ومن ثمّ لمواجهة منظومات العنف والقتل، كي لا تبتلعنا وتردّنا إلى العجز والتقوقع واليأس.

عن العمل
بما أن المشاعر التي نعيشها نتيجة لمباني القمع مركزيّة في حياتنا، فما من شكّ أنها يجب أن تكون مركزيّة في عملنا في التغيير في قضايا التعددية الجنسية والجندرية، فوجودنا وعملنا بجلّه متمحور حول هذا الألم الناتج عن المنظومة العنيفة التي نعيشها، واستمرارنا مقرون بتفكيكه ومواجهته والتعامل معه استراتيجيًا وسياسيًا بشكل يومي وعضوي داخل مجموعاتنا وحراكاتنا ومؤسساتنا.
نضع في القوس هذه المسألة أمام أعيننا في العمل دومًا، من خلال فهم عميق أن تأثيرنا على المجتمع وتحررنا من القمع يبدأ من التعامل الحقيقي مع الحِمل الكبير من الألم والصدمات الملقى علينا، بوسائل وآليات مختلفة؛ سواء المجموعات الشبابيّة التي شكّلت بطريقة عضويّة ومن لبّ الحاجة إطارًا لدعم المشتركات/ين فيها في السنوات الأخيرة، وخطّ  الإصغاء والمعلومات الذي تدور الغالبيّة العظمى من التوجّهات له حول الأزمات النفسيّة، إنتاجات ثقافيّة وفنيّة مثل كوميكس ترويحة مؤخّرًا التي تتعامل مع المشاعر التي تمرّ بها مراهقات/ين يعيشون توجّهات جنسيّة وجندرية مختلفة، وحتى بناء سياسي لمفاهيم كالتضامن والدعم بين نشطائنا.

عن التضامن
من الواضح لنا التغيير الكبير في منطقتنا وفي المجتمع الفلسطيني حول قضايا التعددية الجنسية والجندرية، وفي القوّة والظهور لأشخاص ومؤسسات حول الموضوع، وهو أصلًا ما يزيد ظهور العنف وينوّع أشكاله.
يثير القلق في مشهد التضامن الذي يسود حاليًا الفرز القطبي بين "مؤيّدين" أو مدافعين مقابل "رافضين" أو مهاجمين، وهو ما يعيد إنتاج ثنائيّات مغلقة وجامدة وينهي النقاش ويعطيه شكل اصطفافات غير بنّاءة، بدل أن يوسّع ويراكم ويطوّر.
من الحريّ بنا كمجموعات ومؤسسات كويريّة أو حلفاء أن نتساءل دومًا حول شكل وهدف تضامننا، والحذر من الوقوع في فخّ الأدائيّة والاستعراض و"ركوب الموجة"، وذلك بالتساؤل قبل كلّ شيء عن كيفيّة خدمة مواقفنا وتضامننا القضايا المختلفة، والتأكّد من أنها تمركز أصوات وتجارب الأشخاص الذين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة وتضعها في الواجهة، ولا تجترّ سرديات غير بنّاءة حولها، وبذلك نصل لتضامن حقيقي مذوّت في الممارسات اليوميّة وعلى أجندتنا كأشخاص أو مجموعات.

عن المواجهة
من البديهي بعد معايشة أحداث محتدمة، أو دونها حتّى، أن غالبيّتنا كأشخاص نعيش توجهات جنسية وجندرية مختلفة لا نملك حتّى رفاهيّة اختيار المواجهة من عدمها، كونها إمكانيّتنا للاستمرار والنجاة. بدءًا من مواجهة أنفسنا بكلّ ما فينا من ترسّبات وآثار للمنظومة التي نعيشها، مواجهة عائلاتنا وأصدقائنا وأحداث حياتنا اليوميّة، حتّى مواجهة السلطات والمؤسسات المختلفة التي تقتلنا يوميًا.
يتوضّح لنا يومًا بعد آخر أثر المنظومات القامعة وعنفها المتجذّر والبنيوي، وما نريده على نقيضها هي المواجهة التي تقودنا لتحرر شامل من الأنظمة الأبويّة والرأسماليّة والاستعماريّة المختلفة، فلتكن مواجهتنا جمعيّة وجذريّة وشموليّة، وفي الوقت ذاته حسّاسة وواعية لآلامنا.

photo