المقالات // الإيدز: من وباء للمثليين إلى استحقاق أخلاقي عام

الإيدز: من وباء للمثليين إلى استحقاق أخلاقي عام

جاءت محنة ” الإيدز” لتساهم في تشكيل ما يعرف بالنظرية الكويرية أو الجماعة الكويرية والتي هدفت فيما هدفت لتفكيك الفكر البنيوي الغربي وقتها والذي قسم البشر إلى مستقيمين (سترايت) ومثليين واعتبر مرض الإيدز بشكل ضمني من نصيب المثليين وخاص بهم ، لا شك أن الصورة تغيرت في العقود الثلاثة الأخيرة وتحول الداء عمليا وثقافيا إلى مشكلة بشرية شاملة يتوجب حلها، إلا أن الشحنة الأخلاقية التي ترافق هذا المرض لا تزال حاضرة وتتغلب أحيانا على فتك المرض نفسه لذلك نجد المجتمعات المحافظة أكثر لا زالت تكنس المشكلة خارجها وخارج حيزها القيَمي باعتبارها لعنة انهالت على قوم “الشاذين” لمعاقبتهم على آثامهم. ومع التشديد الإعلامي الملح على إبراز نسبة المثليين من النسبة العامة للمصابين أو حاملي الفيروس لا تزال عملية “الوصم” هذه فعالة ونافذة وخاصة في المجتمعات التي تعيش وهم “الطهارة” و “الأخلاق الحميدة” غير القابلة للمساومة، كالمجتمعات العربية وخاصة بذهنيتها المتأصلة في الجموع الوسطى والشعبية حول “دناسة” و “تلوث” كل ما هو مختلف ولا يتماشى وفق الأنظمة الإجتماعية-الدينية.

لذلك تجد الجماعات الكويرية الناشئة في بلادنا ومحيطتنا، نفسها وبشكل تلقائي وكون التحرر الجنسي والفكري والإنساني هو خليط عضوي لا يمكن استخراج مكونا ما فيه متى شئنا، نجدها وبشكل طبيعي وفطري ترفع راية التثقيف والتوعية من أجل مكافحة الإيدز وتجنب مخاطره وتداعياته على حياة الأفراد كأفراد بغض النظر عن رأي مجتمعاتهم العامودية بالأمر.

وللأسف ورغم الحراك الثوري في عالمنا العربي في السنة الأخيرة إلا أننا لا زلنا نسمع عن تعامل مجتمعاتنا والمؤسسات الحاكمة مع مثل هذه القضايا حتى إن إقصاء وملاحقة العرب لحاملي المرض والمصابين فيه أصبحا فضيحة حقيقية في سجلات هيومان رايتس ووتش التي يروق لنا مزاجيا اتهامها بالتحيز أو الإنصاف متى شئنا.

إذًا فالإيدز ليس مرضا عضويا يفتك بمناعة الجسم ويقضي عليه فحسب، بل هو حالة ثقافية تكشف قدرة المجتمعات وقوة مناعتها على استيعاب الضحية واحترام جسده ومصيبته ونشر التوعية من حوله وتقديس أدنى حقوقه الإنسانية بحياة كريمة وموت كريم. فالشعوب الفاقدة لمناعتها الإنسانية هي تلك التي تجرّم الضحية المعتدى عليها وتصادر حرية الفرد على جسده واختياراته وتلك التي تنبذ المغتصَب وتبرر للمغتصب أفعاله بحجة التقاليد.

سّر موقع “قديتا” وبالتعاون مع جمعية “القوس-للتعددية الجنسية” أن يقدّم في العام الماضي ملفًا خاصًا بمناسبة يوم الإيدز العالمي 2010 واليوم العالمي لحقوق الإنسان، تحت شعار “بحبك آمن”. حيث قدم الملف مواضيع صحية واجتماعية وثقافية متنوعة حول الإيدز: طرق الوقاية منه، آخر مستجداته الطبية، أماكن فحوصات الإيدز بالبلاد، نصائح لحاملي الفيروس، إضافة الى مواد ثقافية تتعلق بالمرض وجاليري ملصقات توعوية من أنحاء العالم. وهنا لا يسعني سوى أن أشكر مجددا كل من ساهم في إعداد الملف من داخل جمعية “القوس” ومن أسرة “قديتا” أيضًا. فالقراء الأعزاء مدعوون لدخول الملف تحت شعار “بحبك آمن” والذي يظهر على الصفحة الرئيسية من “قديتا” والإطلاع على مواده الهامة والغنية.

ويذكر في ذات السياق أن القوس- للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني(ج.م). ستخصص حفلتها الشهرية الراقصة يوم الجمعة 2 ديسمبر والتي ستجري في مدينة يافا-تل أبيب ليوم الإيدز العالمي ويذكر أن هذه هي الحفلة الثالثة من الحفلات الشهرية للقوس والتي تصبغ بلون مكافحة فيروس HIV، حيث ستتضمن الحفلة فعاليات توعوية حول الإيدز والأمراض المنقولة جنسيا عامة، كما ستشمل عروض “الدراج” مضامين توعوية ولأول مرة ستتم فحوصات مجانية ومجهولة الهوية ضمن الحفلة. وذلك بالتعاون بين مبادرة “بحبك آمن” و جهات أخرى منها عيادة ليفنسكي ومنظمة AIDES الفرنسية وكوندومات دوريكس، كما سيتم توزيع كوندومات تحمل شعارات الحملة.

photo
الإيدز ليس مرضا عضويا يفتك بمناعة الجسم ويقضي عليه فحسب، بل هو حالة ثقافية تكشف قدرة المجتمعات وقوة مناعتها على استيعاب الضحية واحترام جسده ومصيبته ونشر التوعية من حوله وتقديس أدنى حقوقه الإنسانية بحياة كريمة وموت كريم