المقالات // كتاباتنا // بيان القوس بشأن: الرد الإعلامي الصادر على مراقبة إسرائيل وابتزازها للمثليين الفلسطينيين

بيان القوس بشأن: الرد الإعلامي الصادر على مراقبة إسرائيل وابتزازها للمثليين الفلسطينيين

بيان القوس بشأن: الرد الإعلامي الصادر مؤخّراً على مراقبة إسرائيل للفلسطينيين وابتزازها للمثليين الفلسطينيين

نكتب هذا البيان ردّاً على بعض المقالات التي نُشرت في الإعلام الغربي خلال الأسبوع الأخير، مثل: "إسرائيل تراقب وتبتز مثليين فلسطينيّين كي تحوّلهم إلى مخبرين"، والذي نُشر على موقع "موندوفايس" أو المقال الأخير لكوري روبين "فلننس الغسيل الوردي، إسرائيل تلجأ إلى الترهيب الأرجواني" . وقد جاءت كلتا المادّتين ردّاً على الموجة الأخيرة من المقالات التي تتحدث بإسهاب عن رفض الجنود القدامى في وحدة 8200 من جيش الاحتلال الإسرائيلي الالتحاق بالخدمة الاحتياطيّة نتيجةً لاعتراضهم على مراقبة إسرائيل للمثليّين الفلسطينيين وابتزازهم. ومن بين المقالات التي تتطرّق إلى هذا الموضوع، هذا المقال المنشور على صحيفة الغارديان بالإضافة إلى مقال آخر نُشر على صحيفة النيويورك تايمز.

ينتابنا القلق جراء حصر هذه الردود تركيزها على "الجنسانية" عموماً، "والمثلية الجنسية" على وجه الخصوص، بصفتهما العاملين الأساسيين والأكثر إشكالاً في ممارسات أجهزة المخابرات والتجسس الإسرائيلية. ورغم تنويهها إلى مكامن ضعف عديدة يواجهها الفلسطينيون وتستغلها أجهزة الأمن الإسرائيلية من أجل تجنيد مخبرين، مثل افتقار الفلسطينيين/ات للرعاية الطبّيّة، فإن هذه المقالات تهمل هذه العوامل، مع أنها لا تقل أهمية عن "الجنسانية"، وتولي جل اهتمامها وتركيزها على "المثلية الجنسية".

أولاً، فإن التركيز على "الجنسانية" حصراً يتجاهل تضييق نظام إسرائيل العسكري الاستعماري الخناق على حياة وخصوصية الفلسطينيين/ات في جميع أنحاء فلسطين عموماً. لا شك بأن ابتزازَ الأفراد على خلفيّة ميولهم الجنسيّة هو فعل قمعي صارخ، بيدَ أنه لا يزيد أو يقلُّ قمعاً عن ابتزاز الأفراد على خلفيات أخرى مثل افتقارهم إلى الرعاية الصحية وتعطيل حريتهم بالتنقل والتهديد بكشف خياناتهم الزوجية وشؤونهم الماليّة وتعاطيهم المخدّارات أو أي خلفيّة أخرى.

ثانياً، انتقاء "الجنسانية" وحدها يوحي بأنه يتعين على المؤسسات الفلسطينية، بما فيها جمعيّتنا، اعتبار "الجنسانيّة" الأولوية الأكثر إلحاحاً في نضالنا ضد نظام الفصل العنصري والاستعمار والتهجير الذي تنتهجه إسرائيل، كما وأن هذا الطرح يشير إلى إمكانيّة تحييد الجنسانية عن الفصل العنصري والاستعمار والتهجير الإسرائيلي.

إن عزل الجنسانية واعتبارها حلبة منفصلة للقمع ما هو إلا ترسيخ للخطابات السائدة والمهيمِنة عن حقوق المثليين، خطابات تعجز عن رؤية هذا النوع من القمع بوضوح إلا من خلال عدسة "رهاب المثلية" المزعوم في المجتمع الفلسطيني والذي يفترض أن يقابله "تسامح" إسرائيلي. وفي هذا السياق يقوم التركيز على المثلية الجنسية حصراً بخدمة أسلوب الPinkwashing أو "غسيل سياسات إسرائيل باللون الوردي" وهو أسلوب تتّبعه آلة الدعاية الإسرائيلية لتجميل صورتها والتغطية على جرائمها بواسطة الترويج لنفسها على أنها جنّة للمثليّين والمثليّات. ويدعم هذا النوع من التركيز بالتحديد الرواية المغلوطة التي تدّعي أن على الكويريين/ات الفلسطينيين/ات الاختباء في مجتمعهم/ن وممارسة حياتهم/ن خلسة تحت وطأة قلق مستمر من أن يتم كشفهم/ن ومن هنا النظر إلى إسرائيل على أنها الكيان العالِم بكل شيء والقدير والقادر على حماية حياتهم/ن الحقيقية أو كشفها متى شاء. الاستسلام لهذا المنطق والقبول به يعزّز ثنائية عنصريّة وزائفة تقوم على زج فلسطين والفلسطينيين/ات في بوتقة "رهاب المثليّة" بينما تعتبر إسرائيل والإسرائيليين/ات منفتحين جنسيّاً ومتحرّرين.

وإننا كذلك مستاؤون ومستاءات من النبرة التي تجلت في بعض الردود النقديّة على ما تم كشفه من ممارسات للوحدة 8200، إذ أن بعضها يخيّم عليه إحساس بخيبة الأمل كما ولو أنها أرادت أن تقول: "أحسني التصرّف يا إسرائيل فنحن ندرك أنك أفضل من أن تتصرّفي هكذا". ولاحظنا أيضاً نبرةً استعلائيّة تكتفي بإشارة سطحيّة إلى نفاق إسرائيل في استخدامها أسلوب "الغسيل الوردي" كما ولو أنها تريد أن تقول: "ليست إسرائيل تقدّمية بما فيه الكفاية في مجال حقوق المثليين في حال واصلت ابتزازها للمثليين الفلسطينيين". إلا أن هذا كله مضلل فإسرائيل هي قوّة استعماريّة عسكريّة لا تمتلك أي نوايا حسنة تجاه الشعب الفلسطيني الذي تسيطر عليه، وهذه الممارسات التي تستخدمها في المراقبة والإسقاط هي عنصرٌ مركزي، بل ومكوِّن، للبنية العسكريّة للدولة. بالمقابل، فإن الخطاب التوبيخي الذي يبرز في الردود يعيد فعليّا استعمار أجسادنا بواسطة الإشارة ضمناً إلى أن الكويريّين/ات الفلسطينيّين/ات يعتبرون إسرائيل منقذنا ومخلصنا، وما هذا إلا تكرارٌ مألوف وموبوء للتصوّر الاستعماري القائم على أن المستعمِر قادر على تقديم شيء هام وضروري يعجز المستعمَرون عن توفيره لأنفسهم. من الخطر أن نسلك هذا الطريق بل ينبغي علينا كمجموعة محلية أن نتذكر أن بإمكان هذه الأفكار التأثير بسهولة على نشاطاتنا ورؤيتنا.

إسرائيل بدورها تدرك جيّدا أن استخدام الجنسانية كأداة للابتزاز والإسقاط يعزّز العلاقة الملفَّقة بين السلوك والجنسانيّات والهويّات التي لا تتقيّد بالمعيار الجنسي المتقبَّل وبين القمع الإسرائيلي الاستعماري من منظور الجمهور الفلسطيني الأوسع. ولقد اكتسب هذا الربط الشائع بين الهوية الجنسية التي لا تلتزم بالمعايير المتقبلة وبين العمالة الفلسطينية لإسرائيل، اكتسب تعريفا وهويّة له في المخيال والواقع الفلسطيني إذ يصطلح على تسميته بال"إسقاطات". وعلى الرغم من أن إسرائيل تنجح أحياناً في استخدام الجنسانيّة كرافعة لإجبار بعض الفلسطينيين على التعاون معها، فإن هذه ليست هي الوسيلة الأساسية التي يتم من خلالها تجنيد العملاء كما وأنها ليست الإمكانيّة الوحيدة لسلوك حياة كويريّة ممكنة في فلسطين. إن خلق صلة مغلوطة بينهم وبين إسرائيل والتعاون معها يقود إلى ربط الكويريّين/ات بالخيانة والخداع والغش وعدم استحقاق الثقة مما يساهم في "تبري" نوعٍ محدّد جدّا من "رهاب المثليّة" في فلسطين. لكي نفهم "رهاب المثليّة" ضمن السياق الاستعماري يتحتّم علينا تفسير سلوك الاستعمار عوضاً عن الافتراض بأن "رهاب المثلية" هو ثابت أبدي في كافة المجتمعات أو أنه ملكيّة حصريّة للمجتمعات العربية و/أو المسلمة. وإننا من خلال نشاطنا نناضل باستمرار من أجل الإطاحة بهذه الفكرة المسبقة المجحفة التي تربط بين الكويريّين/ات في فلسطين وبين إسرائيل لكي نستبدلها بتعزيز فهم مركّب ل"رهاب المثلية" يؤكّد على العلاقة بينه وبين الاستعمار.

وأخيراً، تعنى إسرائيل بتصوير نفسها كدولة منفتحة وتقدّميّة وديمقراطيّة وليبراليّة من خلال الإعراب عن دعمها للمثليّين/ات والمتحوّلين/ات جنسيّاً ودعم حقوقهم/ن، من جهة، ومن خلال تصدير نفسها على أنها مخلّصة الكويريّين/ات الفلسطينيّين/ات من جهة أخرى. لذا تحرص إسرائيل ضمن هذه الااستراتيجيّة على التدخّل بأي طريقة تمكّن الفلسطينيين/ات من ممارسة سلوكٍ كويري كي تضمن السيطرةَ والإشرافَ عليهم/ن من أجل خدمة مصالحها. وهذه الاستراتيجية تطبَّق سواء كانت من أجل استغلال مخاوف أولئك القابعين تحت الاحتلال من أجل تجنيدهم كعملاء، أو بهدف تعزيز رصيدها وسمعتها بفضل سياساتها "التقدمية" بما يتعلق بالجنسانية في فلسطين. رغم ذلك، يجب أن لا تكون نظرتنا إلى الواقع جزئية او منفصلة عن الواقع، إذ أن قضيّة العملاء الفلسطينيين الكويريين ليست مرتبطة بال"مثلية الجنسية" أكثر من ارتباطها برغبة إسرائيل أن تبدو تقدمية. القضية بجوهرها مرتبطة بالاستعمار، وهذا لا يعني أن مراقبة الجنسانية في فلسطين، ومن ضمنها المثلية الجنسية، ليست قضية مهمة على الصعيد الاجتماعي والسياسي والنفسي، ولكن هذه المراقبة هي مؤشّر على مشكلة أكثر عمقاً. علاوةً على ذلك، تمثّل الاستفادة من إساءات إسرائيل الجسيمة بحق الكويريين الفلسطينيين من خلال تدعيم الخطاب الحقوقي المثلي السائد استعمارا إضافياً لفلسطين وللكويريين/ات الفلسطينيين/ات. وبغض النظر عن حسن نية من يفعلون ذلك، وحتى لو كان الغرض المزعوم من ورائه هو فضح نفاق إسرائيل في استغلالها للكويريين الفلسطينيين من أجل خدمة مصالحها، فإن التركيز على الجنسانية لوحدها سيقود بالنهاية إلى دعم الصهيونية من خلال إعادة ترسيخ العلاقة بين إسرائيل والكويريين. وهذا تجسيد إضافي لما حرصت جمعية القوس، وكويريّون من أجل مقاطعة إسرائيل ومعاقبتها وسحب الاستثمارات منها، و pinkwatchingIsrael.com، على تأكيده دائماً بأن البينكووشينغ – الغسيل الوردي يهدف أساساً إلى تقوية الصهيونية ولا علاقة له بالمثليين/ات والمتحوّلين/ات جنسياً أو بتحرر الكويريين/ات.

للبيان في اللغة الانجليزية

photo
لا شك بأن ابتزازَ الأفراد على خلفيّة ميولهم الجنسيّة هو فعل قمعي صارخ، بيدَ أنه لا يزيد أو يقلُّ قمعاً عن ابتزاز الأفراد على خلفيات أخرى مثل افتقارهم إلى الرعاية الصحية وتعطيل حريتهم بالتنقل
بالمقابل، فإن الخطاب التوبيخي الذي يبرز في الردود يعيد فعليّا استعمار أجسادنا بواسطة الإشارة ضمناً إلى أن الكويريّين/ات الفلسطينيّين/ات يعتبرون إسرائيل منقذنا ومخلصنا، وما هذا إلا تكرارٌ مألوف وموبوء للتصوّر الاستعماري القائم على أن المستعمِر قادر على تقديم شيء هام وضروري يعجز المستعمَرون عن توفيره لأنفسهم
إن خلق صلة مغلوطة بينهم وبين إسرائيل والتعاون معها يقود إلى ربط الكويريّين/ات بالخيانة والخداع والغش وعدم استحقاق الثقة مما يساهم في "تبرير" نوع محدّد جدّاً من "رهاب المثليّة" في فلسطين